وحديث {الله أعلم بما كانوا عاملين} لا يتنافى مع القول بالامتحان، ويمكن أن نجعله دليلاً عَلَى الامتحان لأن الله يعلم ما كانوا عاملين، أي: إن نجحوا وآمنوا ساعة الامتحان يَوْمَ القِيَامَةِ فالله تَعَالَى سيدخلهم الجنة.
وإن كَفَرُوا وعصوا الله تَعَالَى سيدخلهم النار،
أما حديث الخليل - عَلَيْهِ السَّلام - عَلَى رواية (أن ذراري الْمُشْرِكِينَ كانوا معه) يحتمل أنهم امتحنوا فنجحوا، أو أن هَؤُلاءِ سيكونون عَلَى الصورة التي كانوا عليها، أي: أن هَؤُلاءِ الذراري الذين امتحنوا فنجحوا سموا أطفال الْمُشْرِكِينَ، نسبةً إلى ما كانوا عليه في الدنيا، فلهذا قال: {ذراري الْمُشْرِكِينَ وأطفال الْمُشْرِكِينَ} فأطفال الْمُسْلِمِينَ دخلوا الجنة لأنهم أطفال الْمُسْلِمِينَ، وأطفال الْمُشْرِكِينَ كانوا مع الخليل في الجنة؛ لأنهم الذين نجحوا في الامتحان، أي أنهم أطاعوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
إذاً: لا يمنع أن يوجد منهم من هو في النار
.
هذا ما نلخص إليه في هذه المسألة وقد أطال فيها شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رحمه الله تعالى، وذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسيره لقول الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً))[الإسراء:15].
أما أطفال أهل البدع والمعاصى، فإذا كَانَ المراد بهم أهل البدع والمعاصي من الْمُسْلِمِينَ الذين لم يلتحقوا بالْمُشْرِكِينَ، فهَؤُلاءِ من أطفال الْمُسْلِمِينَ وحكمهم حكم أطفال الْمُسْلِمِينَ، أما البدعة التي تُخرج من الملة وأصحابها مُشْرِكُونَ، لهم الحكم السابق الذي ذكر الخلاف فيه، ولا نتبعهم بآبائهم؛ لأنهم مُشْرِكُونَ فنقول: إنهم مُشْرِكُونَ.
وهناك مسألة وهي لماذا أولاد الروافض يبقون روافض؟ هل دين الرفض من الفطرة وهل دين الخوارج من الفطرة، وهكذا فالصوفي يريد أن يكون ابنه صوفياً، والخارجي يريد أن يكون ابنه خارجياً، فالرافضي يريد أن يكون ابنه رافضياً.
فإذاً لا ندعه عَلَى ذلك بل يوضح له الحق، فإذا وضح لديه الحق فقد قامت عليه الحجة، ولا نعنى بوضوح الحق أن يسمع جميع الحجج والبراهين، بل يكفي أن يفكر الإِنسَان في دينه وأن يعلم ويسمع بالمخالف، ولهذا نقول للنصارى واليهود الذين يقولون: نَحْنُ لا نسمع عن الإسلام شيئاً: يقال لهم: يكفيك أنك سمعت أن نبياً بعث هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن أمته هي الأمة التي تعبد الله، قال تعالى: ((لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ َمَنْ بَلَغَ))[الأنعام:19]، وفي الحديث الصحيح {لا يَسْمَعُ بي يَهُّودِيٌّ ولا نَصرَانيٌّ ثُمَّ لا يُؤمِنُ بي إلا دَخَلَ النَّار}.
فعنده الميثاق الأول والفطرة والسماع، فالذي ينبغي في هذه الحالة هو الإيمان، وحينئذٍ ليس هنالك من عذر لا للمشركين، ولا ممن كَانَ بين أهل الإسلام وولد في ديار الإسلام ولكنه اتبع ما عليه الآباء من العادات القبلية، أو التقاليد البيئية، التي فيها شركيات أو بدع أو ضلالات أو أخلاقيات مخالفة لأحكام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ولهذا سماهم مسلمة الدار لا مسلمة الاختيار، مسلمة الدار، أي: مسلموا الدار، ولو ولدوا في أي دار لكانوا كما عليه أهل تلك الدار، وهذه نعمة من الله وفضل أن كثيراً من النَّاس يولد في دار الإسلام؛ لأن أكثر النَّاس لا يعقلون، ولا يفكرون، وإنما يدينون بما يرون النَّاس عليه، فمن لطف الله أن يولد ملايين من النَّاس في ديار الإسلام، فيكونون مسلمين بهذه التبعية، بغض النظر عما ينتشر من الخرافات والضلالات بين الْمُسْلِمِينَ، لكن هذا لا يعني أننا نرضى ونقر ونقول: إن إسلام الدار يكفي بل لا بد من الإسلام الطوعي -إسلام الاختيار- وهو أن يفقه الإِنسَان ما جَاءَ به مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيتفقه في الدين ويتعلمه ويعرف ربه - عَزَّ وَجَلَّ - حق المعرفة، ويعرف دينه، ويعرف كيف يعبد ربه، ولو إِلَى الحد الأدنى الذي لا يعفى ولا يعذر فيه أي إنسان، وعلى الإِنسَان أن ينظر من أي الفريقين هو.